الجمعة، يونيو ١٣، ٢٠٠٨

الميزان


هنا سَـقطت....
حصونُ جزيرةُ العشق
ِعلى بـَرٍّ من الشوك ِ
هـُنا في صَحوة الكلمات ِ فاضت لـَفْحـَة ُالشَّـوقِ
تركنا ساعة َ الدنيا تَـَدُقُّ لِـصَحْوَة ِالمَوْتِ
وتُحيينا بلا جـَسَدٍ
يَذوقُ حَلاوَة العـِتْق ِ !
هُنا مُـزِجـَتْ شجاعـَتـُنا
بقيمةِ مَنْ تـَحـَمَلـْنا
لنبضٍ ضاق بالوجدان عند رحابةِ الأفقِ !
لِيُغفِل ما مَضَى مِنـَّا
ويِقْصِدَ ما تغافلناهُ بالآهاتِ والصدق
تـَجاسـَرَ نَبْضُنا المعقولِ فوقَ قلوبنا عُنوة
وراح الصبرُ يـُضْنـينا فـَأَلْـقيناهُ في الـهُـوَّة
وصار القلبُ عند العقل لا حولولا قوّة !
فيا كل الذي يحيا بعقلِ كنتُ أعرفـُه
وقلب صرتُ أعرفـُه
هناك على يمين ِ العمر يومٌ لستَ تـَعرِفـُه
سـيُـدْني راحة َ الميزان
ِيـُسْـقـِطـَني
لِـتـُنْـصِفَهُ !

السبت، يونيو ٠٧، ٢٠٠٨

لــيــتَـَــــهُ يَعْـــرف

ليته يعرف
كلما كان
أينما كان
أنه ... إن كان ... أو لم يمكن في الإمكان !
سيظل وحده من أريد
ويظل في قلبي قضية كونه
فقلبي الأسير
أسير !
لا يستطيع لغيره أن يسير
ولا يستطيع الوصول إلا إليه
في دائرة بنصف قطر محتمل
ومحيط من الأشواق لا يُحتمل
بأي زمان
وأي امتحان
وأي سبيل

***




ليته يعرف
أنني أبكيه رفضاً لكل ساع في سبيلي
لكل من يبحث _بحلم خطأ _ داخل نبضي عن مصير
أنني لست في حل أن أكون
سوى من أكون
وما اكونه لن يرضي سواه
لست أملك من الجمال إلا ما سوف يعجبه
لست أملك من الضعف إلا ما سوف يهزمه
لست أملك من الخوف إلا ما يحتاج هو
كي يهدهده
ولست أبحث في الأقدار عن مُلـْـكٍ سواه
_يملكني_
ولستُ أملكُهُ !
***



ليته يعرف
أنني مثل النسيم الحر ليس يملكني بشر
أنفاسُهُ أنا
فكيف أحيا في صدر غيره
حين يأخذني ويستبدلني بالحياة
أعود له بالذات التي غادرت
وأظل فيه
زفرة قادمة
على وجه صاحبة الضفيرة التي لم تنفرد
تلك الصغيرة ، عندما ....
تلك الكبيرة، كلما ....
تلك الأميرة ، بينما ....
تلك التي كتبت قصائد حزنها
من وحي القدر
موصولة لأجله
مقطوعة لأجله
تلك التي ستظل تبحث عنه ما كانت تصدق أنها له
كان لها ....
أو لم يكن !!
***






الأربعاء، يونيو ٠٤، ٢٠٠٨

رغــيـــف فـَرنســاوي



- متغيبيش علينا :)

هكذا ودعتني موظفة الريسبشن بالفندق الأنيق الذي اعتدت النزول فيه كلما ذهبت لعملي في محافظة سوهاج التي تقع ضمن منطقة اشرافي.

كانت الساعة قد تجاوزت الثامنة مساءا بقليل ، ورطوبة المساء تحوطني ببطء ، مخلفة وراءها نهار حار متخم بالعمل ، بذلت فيها جهدا جعلني أتناسى _ لضيق الوقت _ أنني لم اتناول طعاما تقريبا منذ الصباح مما سمح لمراكز الشبع ان تعلن شيئا من الاحتجاج على إهمالي لها !

نظره سريعة لساعتي حسمت الأمر
سألحق بقطار التاسعة واتناول طعامي في البيت !

وفي المحطة كان الزحام رهيبا مما يعني أنني لن اجد مكانا خاليا لثلاث ساعات على الأقل في القطار حتى أصل إلى المنيا
وبعد جهد وجدت تذكرة درجة أولى في قطار العاشرة ، هذا مبشر برحلة مريحة على الأقل
فليكن الإنتظار ثمنا لهذه الراحة

نظرة أخرى إلى الساعة تخبرني أن امامي ساعة على الأقل مما يجعل من فكرة تناول شيئا من الطعام أمرا منطقيا .

وفي سوهاج ، عادة ما اتناول غذائي في الفندق حيث ان تلك المحافظة تكاد تكون خالية من المطاعم الجيدة .
ولكن مطعما ( للتيك اواي ) لمحته اليوم وانا في طريقي الى المحطة.

أوصلني التاكسي اليه بسهولة ، وبعد نظرة سريعة على أنواع الأطعمة المعروضة باللوحة قلت للكاشير :
-
واحد شاورما

فسألني بلطف روتيني :
- رغيف عادي واللا فرنساوي ؟

- لأ فرنساوي
( ومن المعروف طبعا ان الرغيف الفرنساوي هو ذلك النوع المسمن الطويل العريض من الفينو الذي يستطيع ان يشبعني أنا شخصيا بشكل اكثر من جيد )

راقبت إعداد الأوردر الصغير بدون اهتمام وانا أتابع ساعتي ، حتى لمحت ذلك الشيء الذي لا يزيد طوله عن 15 سم ولا يزيد عرضه عن 2 سم بأي حال ، وهو بين يدي رجل الشاورما الذي يفتحه فلا ينفتح ( هيتفتح ازاي هو باين أصلا..... طبعا انا متخيلتش لحظة إن ده الفرنساوي بتاعي ) !!!
حتى صدمني ببساطة :
-اتفضلي .

مددت إليه يدا مستنكرة تسأله :
- هو ده الفرنساوي ؟

أجابني بهزة مؤكده من رأسه بدت لي سابقة لسؤالي وكأنه كان متاكدا من طرحه !!
ولا أدري لماذا أحرجني ان أعترض !!

أوقفت أول تاكسي وأنا أشعر بضيق شديد
لم يكن ضيقي بسبب الجوع تحديدا

ولكن فكرت في مدى تدهور كل شيء بعد ذلك الارتفاع الجنوني في الأسعار ووجدتني أتذكر أن ما دفعته في الفندق وفي الموصلات لثلاث أيام خلت في القطار طبعا ، مما كان يكفي لستة أيام قبل شهرين فقط وفي نفس الأماكن المعتادة بالنسبة لي
أشعرأنا بهذا الفرق.....
( أنا آنسة ولا أعول !!! )
ماذا لو اعترضت ؟ أيحصل هذا الرجل المنهك أمام قالب الشاورما على ما أحصل عليه من عملي ؟
أيقدر هو على ثمن ما اعطاني ؟
أيسد جوعه أضعافه من الخبز الأسمر إن وجده !
وهذا وهذا وهذه وتلك........ من العابرين بوجوه منهكة !!
من الحاصلين على الـ 30 % وليتها ما كانت !!
لماذا يشبه هذا الفرنساوي ( العيان ) كل ذلك بشكل أو بآخر!!
ينسحب جوعي إلى شبع من لا يريد الجوع !!
إلى شيء يعترض لأعافه !

تحرك التاكسي بي وفي مرآته عينان منكسرتان تستفيقاني بصوت السائق :
-على فين حضرتك ؟

- المحطة

زفر الرجل بضيق غير مسبب ، بدا لي وكانه جزء من طريقة قيادته .
رجل مصري مرهق !!
لا جديد
وجه من العقد الخامس ، مشعث بذقن نابتة وملابس رثة بشكل واضح ، يتصبب العرق غزيرا من جبينه الذي أحرقته الشمس
لا جديد
وعينان
في المرآة آيات للشقاء
لا جديد

سألني فجأة كأنه أحس بمراقبتي له التي كانت في الحقيقة تتحرك بينه وبين رغيف الفرنساوي لسبب أجهله :
- حضرتك مش من هـِنـِه على اِكـْدِهْ ؟

-لأ مش من هنا

- وبتيجي سوهاج كـَتير ؟

- آه

نظرته لا تبدو مصدقة .... تجاهل ذلك
وعاد ليعلق :

-بس مبقتش زي زمان دلوقـيـــت .... سوهاج يا أبله بقت بلد تعبانه...... تعبانه قوي.

نظرت للفرنساوي وثم رددت ساهمة :

_كل حاجه بقت تعبانه .... قصدي كل الناس يا أسطى .

-لــعْ يا أبله..... سوهاج في البهدلة بـِقـِتْ حاجه صعبة قوي .... هـِنـِه البلد مفيهاش حاجه من أساسه واليامـين دول بقت الدنيا واعره علينا قوي

_(.............)
لم أعلق ،
فاستدرك :
- واحنا اللي زيينا بيخسروا حاجات كـَتيره، أكتر من حِداكم بحري (على أساس إنه استنتج إني من بحري سوهاج وخلاص ) إحنا محدش واخدلنا بال ... مَـحناش مهمين من زمان ... ومع اِكـْدِه ... مكنتش تفرق ... بس دلوكييت ... بقينا بِنِخْسَروا كَتيــر
انتي عمرك مع سمعتي عن السوهاجية قبل اكده يا أبله ؟
باغتني بسؤاله فأجبته بما قفز إلى ذهني قائلة :
- سمعت طبعا .... طول عمري أسمع انهم رجاله ... رجالة الصعيد ديما سوهاجية .

تبسم بأسى وقال كأنما أجبته بما أراد:

- أهم معادوش رجالة يا أبله ......

رجف شيء في أعماقي لعبارته المخيفة ، ومن المرآة لاحظ اندهاشي فقال موضحا بأسىً موجع :
-وهو الراجل هيبقا راجل كيف وهو مَـعـَيـْوَكِـلشي عِـيالـُه .... ومَعَيِقـْدَرْشي يِـَوفِّي بيته؟ الفقر لما يحش في الخلايق يِدْهـَس الرجالة ومـَيْعودِش ليها عازة !

وسكت
ولست أجزم ان ما لمحته في المرآة بعد ذلك كان دمعة مكابرة تغالب عينيه
فلعلها كانت في عيني أنا ....
- ربنا يوصلك بالسلامة
هكذا ودعني بابتسامة طيبة
وانا اغادر التاكسي تاركة ذلك الرغيف الفرنساوي المريض
على المقعد الخلفي !!!!