الجمعة، نوفمبر ١٤، ٢٠٠٨

الـمذاق

تعودت على اكتشاف الأسباب بمفردي
وأنجح غالبا في في تقديم كل انواع الاجابات الأخرى _ غير الحقيقية _ عن أسبابي أنا
ليس إبعادا لقلوب الآخرين
ولكنها الاجابات الممكنة والمؤقتة دون ارهاق خارج وقته

حتى اجلس مع نفسي وأحاورها بوضوح
فأصل للحقيقة
فأهدأ
وأجيب أو لا أجيب
ولكن
بدون تزيين لأي واقع
وأحلم _ ان استطعت _ في حدود الحال الوجداني والعقلي الذي أجده



والحقائق عادة مرهقة حين نداعبها لتطفو على أي سطح طبيعي
وجه
شفاه
عيون
تلك هي مسطحات وجودنا
والورقة هي السطح الاضافي التي قد يتميز البعض بملاسَتِه
والأكثر انسجاما مع صعوبة الترجمة الداخلية في زحامنا العميق عقلا وقلب

وعن الكتابة
كان البحث عن إجابة حقيقية للكثير من الأسئلة


في القطار المتوجه إلى أسوان وبعد الانتهاء من كوبين من القهوة والشاي ومجلة وصحيفة وصفحات كثيرة من كتاب ومكالمتين او ثلاثة أغلق بعدها هاتفي واتطلع في ساعتي لأجدني على مسافة زمنية تفوق الخمس ساعات من أسوان

الملل المسيطر على الوقت منذ أطلق القطار صفارته قبل ذات المدة تقريبا على رصيف محطة المنيا ، يتحول إلى حالة تحاصرني في مقعدي الوثير
فلم اعد أستمتع بهذه الرحلات
بالرغم من انها
تتتعلق بعملي الذي أحبه
في وسيلة مواصلات أحبها
إلى بلد أحبه
مع كتاب أحبه
ولهدف مهني أحبه
!!!!

كل هذا لا يثير في داخلي سوى الملل
نفس الأشياء التي أحبها
لازلت احبها
ولكنني لا أستمتع بأدائها
كما لم اعد أستمتع بالكتابة
وهكذا بكل بساطة
لم اعد أكتب


وعند هذه المسافة
أتوقف عند سؤال كان قد سأله لي أخي المغترب منذ عدة أيام
:" هو ليه مفيش جديد في مدونتك ؟ "
وكنت قد أجبته تلقائيا :
" عشان معنديش نت "
سبب صادق
ولكنه ليس حقيقيا

و على مشاهد ليلية تتسارع خلف نافذة القطار
تطل الحقيقة خلف وجوه اخرى تسألني :
فخالتي مثلا : " انتي ليه مش بتزوريني زي زمان ؟ "
" مشغولة والله ..."
أو شقيقتي :" انتي ليه مش بتلبسي الطقم البني ؟ "
" بيطلع عيني في المكواه "
و من صديقتي : " انتي ليه مش بتتصلي نرغي كتير زي الأول "
" أصل فاتورة الموبايل خاربة بيتي "
ومن ناشري الجديد :" يا رشا مخلصتيش ليه الكتاب لحد دلوقتي ؟ "
" حاضر والله بس بعيد صياغة بعض القصائد "

وهكذا ........ اجابات في قمة الصدق
لكنها _ اطلاقا _ ليست حقيقية !

فالحقيقة تتعلق بالمذاق
ذرة الملح على ذلك الطعام الذي أحبه ثم أجيب أمي عن عدم تناولي منه سوى قطعة صغيرة
بأنني : " شبعت يا ماما .... ! "
المذاق
مذاق الحياة !


نعم
أنا أفقد ومنذ حوالي العامين _ تدريجيا _ متعتي بكل الأشياء التي لا أفكر أبدا في تغييرها
لأنني أحبها
لانها كانت من احلامي التي تحقق الكثير منها بفضل الله


وقلمي
كان وصار أهمها
فالكلمات تعبرني قليلا بتلك النشوة التي لم أكتب أبدا إلا وانا تحت تأثيرها
نشوة تجعلني أتدفق على الورق
ولا ألملم غير جمال حروفي وشيء من أعماق عقلي وارتجاعات الحياة بقلبي

وكثيرا ما كتبت من القلم مدامعاً
ولكنها أيضا كانت تخرج من نفس ٍ منتشية متوهجة ..... حيث عندها
وعندها فقط
أستطيع استعادة حتى الأحزان في صياغة لها انتشاءات الرذاذ على شاطئ الورق

وبكل ما لدي من فضل الله
ينقصني شيء

"ايه المشكلة ... ما كل الناس ناقصهم شيء ... بل أشياء "

والناس " عايشه "
وانا مثلهم
و " العيشة " نعمة
نعمة يفتقدها الكثيرون

ولكني لست مذنبة
نعم
حين أفتقد متعة أشيائي
فانا أبذلها بجهد
أفلا يبرئ ساحتي من رفاهية الاحلام أنني لازلت أفعل كل الأشياء باتقانها المطلوب _ حتى ابتسامتي لليوم والغد _ دون رغبة حقيقية ...!!!



أوقفت عقلي متنهدة وشيء يرهق أعماقي
فها قد بدأت الدفاع عن نفسي وكأني كالمعتاد سأبدأ مهاجمتها
وكأني أرفض ضعفها بأي حجة !!!

و توقف القطار أيضا
في محطة إدفو أول مراكز أسوان
فرفعت نظرتي الهاربة بي ، الى الفجر الحَيّيْ فوق الجبال المحتضنة للبيوت الأسوانية الملونة والمتصلة بسلالم صخرية لا نهاية لها سوى تلك الوجوه السمراء التي تتهادى فوق جلابيبها البيض الناصعة .....إلى صباحها القادم
فألقف دمعة غير مبررة وانا أغمض عيناي على المشهد الرباني الطيب
وأبتسم ....



أمسك بقلمي
فيكتبني ....

انت فين يا قلبي رايح .... مره طيب مره جامح
دقتك ناقصها رنة ..... وش ناقص فيه ملامح


قال لي صديق ذات مساء غير قريب

" كنت تكتبين وقلبك مستمتع بالحب
او مستمتع بانتظاره
وتوقفت الآن وقلمك..... فلأي شيء تعجبين ؟! "


الحب ؟
لعله هو بمواصفات العاقلين
الحب ................
ذلك الاحساس الراقي بالسمو عن جماديات الأرض ومن عليها من البشر
ذلك الوعد الخاص جدا بالاهتمام غير المبرر بسبب آخر سوى أنك صاحبه
ذلك السهل الممتنع عن كل متكئ ٍ على قمة جبل ولو أنه يصل النجوم بعينيه !
ذلك الضد لكل معاني الوحدة وكل أحوال الملل

هو الضرورة التي لا تتحقق _ للأسف _ بالضرورة في كل فكرة للزواج
ولكنه يحقق ذلك الأخير بشيء من العدالة غير المرتبطة بزمن !

وهو الشرطية التي تقف خلفها السعادة الحياتية العادية حين تصل لشيء من أحلامك ، فقط لأن أحدهم _ بالذات _ سيهديك مكالمة تخطف من الزمن دقيقة لأجل كلمة تهنئك فتشعر الآن فقط .... بفرحة الوصول

وهو ذلك السؤال الحريص عن: من ؟ ولأين ؟ ومتى ؟ ولماذا ؟
وهو الثقة الخائفة في ذلك الرجاء التقليدي للمسافر بـــــ: " خلي بالك من نفسك "
وهو الفرحة التي تخرج من ظل الحقيبة الملقاة بتعب على رصيف المحطة الأخيرة حين تأتيك بكلمة تنسيك كل ساعات السفر المرهقة ,,,,مطمئنا في روعة عبارة قديمة جدا تقول :" حمد الله على السلامة "

هو كل هذا ..... وأكثر
كل ما هو عادي جدا
من شخص ما
لن تريده كل الوقت
لن تصالحه كل الوقت
لن يفهمك كل الوقت
لن تحسه كل الوقت
لن تراه كل الوقت
ولن يعطيك كل الوقت
ولن يسعدك كل الوقت
بل ولن تحبه ويحبك كل الوقت
ولكنه في رحلة العمر ، وفقط ..... لبعض الوقت
سيكون ..... لأجلك أنت



فتتذوق الحياة .....