الثلاثاء، نوفمبر ٢٤، ٢٠٠٩

مـِن خَـيْـباتـنا ...سُــلِـط علــينا



سألنا المذيع الشاب في جلسة أدبية ودية :" كيف لم تندفع كلماتكم إلى الأوراق ثائرة موجوعة موجعة إزاء كل هذا الذي يحدث ؟ "
"لعل مشاعرنا تختزل الألم الآن إلى حين "
هكذا أجابه غير واحد منا
وبين سؤاله والإجابة _ أيا كانت _ توقفت كثيرا
فأنا شخصيا لا أعرف وصفا لما أحسه
ويخيفني جدا ما أدركه
وكلاهما سخيف أكثر منه مؤلما
ليس لأن الأمر كله ليس أكثر من لعبة ومباراة
فكرة القدم في هذا الزمن صارت أكثر من رياضة ولم تعد أقل من مهنة ولها من التأثير ما ليس لغيرها في كل دول العالم
ولكن لأن هذا الذي حدث سلط الضوء على ما نعانيه حقيقة من خيبة
خيبة حياة
وخيبة أمل
خيبة انتصار
وخيبة هزائم وهزائم وهزائم

حتى السخرية
ما عادت تجدي في هذه اللحظات حتى أرسمها في قصيدة أو أستدعيها لتخفف عني
أضف إلى ذلك ..... اللا منطق !
والذي هو المنطق الوحيد الذي يجعل من كل ما يحدث أكذوبة كبرى لحقائق واضحة
ومؤكدة
أكذوبة كبرى ... أن حكومات تشعر بالغيرة على مواطنيها
وأكذوبة أكبر ... أن عروبة تربطنا يجب الاحتكام إليها حين يتناحر الأشقاء !
فالمواقف لا تتجزأ
والعقائد لا تنبعث أفعالا من أكفان الشعارات

فإذا كنا سنتحدث عن وطن يغار على مواطنيه .... فدعونا نواجه أنفسنا أن تلك الغيرة لو كانت موجودة طوال الوقت ... حريصة طوال الوقت ..... وفي كل منزل يتطلب ثورة لأجل كرامة مواطن _ بل دم مواطن سال مرارا فوق قضبان وتجمد مرارا تحت أبحر وتصلب مرارا فوق المشانق واستـُذِل مرارا لأجل لقمة عيش _ في الداخل والخارج ، لما استهان أي إنسان أو جماعة أو دولة من أقصى الأرض لأدناها بنفس المواطن الذي صار معلوما عنه للعالم أجمع ... خضوع مواقفه وفقر حياته ومرض وجدانه وقهر طموحه وأحلامه ... بل وتخلي جذوره عنه إلى فروع من الحزن والهم والاستسلام....حتى صارت كل أفراحه تتعلق بأقدام تدفع الكرة ....لا يرى نصرا في غيرها .... ولا يرى تغييرا أبعد في طموحه من انتصار وقتي لم تخلق قيمته إلا طول الهزائم ..... وكأنه يستجدي هذه الفرحة من واقع شارك حتما في صنعه ثم صار مقدورا عليه بلا شفقة ولا رأفة !
" يا رب مصر تتغلب عشان لو غلبت هيقتلونا هنا ومحدش هيحس بينا "
لم توجعني عبارة كهذه العبارة التي جاءت على لسان مصري يعيش بالجزائر مستغيثا بالله نجاة بالهزيمة قبل المباراة بأيام !!
أي قهر !!
أي قهر سلط على المصري الذي شاء أو أبى الكون كله ....._ كان وسيعود _ ابن أرض العفة والكرامة والريادة والتي لن تنطلق يوما إلى كل العرب والمسلمين إلا من هنا ....
هذا المواطن _ المصري بكل تأكيد_ كان وسيعود يوما _ كريما على الله وعلى كل عباد الله .... أما الآن .. فأنا منه ومثله أتألم لهذا الهوان ... والذي لا يجعلني أفكر في حل أو ردة فعل بقدر ما أتأمل في سبب .... سبب يحمل على هذا الكم من الحقد والكراهية والذي ما كان ليصب فوق أي عربي أو أفريقي آخر اختارت له نتائج المباريات هذا اللقاء !
إنها الجرأة السافرة على المصري
تلك هي المصيبة إن شئتم لأنفسكم الألم
تلك هي الوجيعة التي تقودنا اليوم إلى استمرار الخديعة خلف ردود أفعال _ لا أرفضها _ وان كنت أقرأها بما تحتويه من تغييب للمأساة التي تحدث طوال الوقت .
تلك هي الحقيقة صدقوها إن شئتم ... أو راهنوا معي أنفسكم على مبارز آخر في آخر صولات الجزائر للصعود للنهائيات .... حتى تصدقوا في النهاية .... وتخسروا معي كل الرهانات على قيمة المواطن المصري التي لن تعيدها ردود أفعال اليوم إذا لم تتغير أفعال الأمس الطويل فيه !!
أما العقائد
فحدث ولا حرج عن مخاز العروبة التي أثبتت في كل امتحان حقيقي أنها شيعت بعد أن غنى لها عبد الحليم إلى قبر تحرس رفاته الشعارات
هم ذاتهم نفس العرب الذين عجزوا عن استخدام سفرائهم إلا في مواجهة بعضهم البعض .... وكأنهم يوم التقى جمع اليهود بجمع المقاومة استقالوا من أعمالهم وتوحدوا فقط خلف الصمت والشجب والتنديد و الخذلان
أي عروبة .....؟
ذكريني يا نفسي العربية بمفردة واحدة من مفرداتها تترجم فعلا ... وذكريني يا نفسي وألجمي قلمي الذي يستبيح للورق تجريح نفسي بنفسي ... واحرميني أنفاسا تتردد فيها رائحة محترقة لحقد دفين وبربرية لن تهذبها قيم العروبة المشتتة ..... في ظل الهزائم السياسية والاقتصادية و النفسية والأخلاقية والدينية .....
ثم نبحث عن احترام العالم لنا من خلال عروبتنا
أي عبث !
تتوقف الكلمات كثيرا بداخلي ... والخارج منها أقلها وجعاً
وفي كل مرة يستدرجني قلمي إلى السطر الذي سأضع في نهايته نقطة منهية حديثي ...

لا يأتيني السطر، ولا اجد النقطة ..... الا بقعة مائعة اللون في نفسي وانا أقرأ رسالة وصلتني من رقم مجهول قبل الفجر الأخير بقليل تقول : " كل سنة وانتوا مغلوبين مضروبين مخنوقين قرفانين .... المرسل منتخب الجزائر "